يقول صاحب القصة .....:
هـذه حادثة حقيقية حـدثـت أمام نـاظري بتـاريـخ الأول من فبراير عام 2002 فإن لم ترغب في معرفة التفاصيل فأرجو أن تتلو الدعاء الذي هو في نهاية القصة وجزاك الله خيراً)
حينما كنت أسوق على خط الإمارات متوجها إلى أبوظبي رأيت زحمت السيارات والدخان من أمامها فعلمت أن حادثا قد وقع ، فأوقفت السيارة على ناصية الطريق ، ومشيت حتى وصلت لموقع الحادث نفسه ، وإذا بنصف الطريق سيارتان قد ارتطمتا ببعضهما ، والسيارة الأخيرة قد اختفت مقدمتها ، ولكن مصدر الدخان كان من نيران سيارة كانت خارج الشارع - على الجانب الأيمن - وآثار ارتطام عليها واضحة ، ثم رأيت أطفالا يخرجون من إحدى السيارتان اللتان في منتصف الطريق وهم يبكون ، ولكن منظر النيران كان رهيبا ، حيث أنني أحسست بحرارتها من على بعد عشرة أمتار ،والنيران تصول وتجول في السيارة وكأن لا سيد أو زعيم سواها وأسمع زمجرتها التي أخفت سماعي لأي شيء آخر سواها، وفي ناحية أخرى رأيت فتاة إماراتية تصرخ وتقول أخواتي .... أخواتي .... أدركت أن هناك بعض الفتيات في السيارة التي مازالت تحترق ، ومن خلف السيارة المحترقة بعض الناس الذين حاولوا جاهدا أن يطفئوا نيرانها بالرمال ، فأرت بمساعدتهم ، ولكن فجأة سمعنا أصوات انفجارات الواحدة تلو الأخرى ، ففرقتهم عما كانوا يفعلون ، والشظايا والنيران كانت تقفز من السيارة إلى خارجها ، كان المنظر فظيعا جدا ، كانت فيها النيران كالوحش الجائع الذي لا يفرق بين فرش ووقود وحديد أو لحم بني آدم ... وصرخات الفتاة من ورائي فشعرت بالعار لأنني لـم أستطع مـد يـد المساعدة في إنقاذ البقية ، ووقفت عاجزا أمام هذا الشيء الذي فضلني ربي عليه وأكرمني ، لم أستطع أنا أو من حولي بمساعدتهم ، وكأني أسمع صرخات هؤلاء الفتيات "أرجوكم أنقذونـا .. وخلصونـا" هن يذقن هذا العذاب حتى الموت ونحن واقفين لا حول لنا ولا قوة ، وأرواح الفتيات تـزهق ، ونحن كأن على رؤوسنا الطير ، وبعدها رأينا سائق هذه السيارة المحترقة ، وسمعته يقول " أن إطار العجلة قد أنفجر بالطريق السريع ، فأردت التوقف ، ....." ولكنه لم يكمل ووضع يده على صدره ، وأظنها من الضربة فسألناه بسرعة كم من شخص في السيارة فأجاب " هن أربع فتيات بعد الحادث أخرجت إحداهن .... " وسكت وهو يريد أن يبكي ، فهي إذن الناجية الوحيدة من أخواتها ، ثم فرقتنا الانفجارات مرة أخرى وبعد فترة جاءت سيارة الإسعاف وبعدها بعشر دقائق جاءت سيارة المطافئ ،ذهبوا بسرعة لإطفائها، وهم يطفئون السيارة التي تفحمت كليا والنار لم تشبع بعد ، قال أحد الشباب وهو ينظر بيأس كبير " مالفائدة الآن ... لقد فات الأوان" وفي ذات الوقت كانت النيران تأبى الانطفاء ، فما يكادوا يطفئوها حتى يجدوها ظهرت في مكان آخر من السيارة ، لم أرد أن أبقى حتى أشاهد الجثث المحترقة ، فرأيت الانصراف أفضل ، ونظرت في وجوه الناس الذين يقولون لا حول ولا قوة إلا بالله وصرخات الفتاة من خلفهم ، وعيونهم تكاد تفيض من الدمع وكأني أسمع قلوبهم تتمزق من الحزن ....
رغم أن لدينا الإمكانيات المادية إلا أننا فشلنا في إنقاذ هؤلاء الفتيات ، لِم لم نـقـم بصناعة طائرة هليكوبتر تعمل كسيارة إطفاء تسعف هذه الحالات في الطرق السريعة خاصة أيام الأربعاء والجمعة ، لدينا من الأموال ما يكفي لذلك ، ولدينا من المهندسين من هم قادرين على أن يصمموا طائرة بكاملها ، أو يجب أن ننتظر الدول الأجنبية حتى تصنع هذه الأشياء لنا ...عار ما نحن فيه
والآن وكأني أسمع صراخ تلك الأم الثكلى التي فقدت ثلاث بنات مرة واحدة بسبب تلك السرعة ، وذلك الاعتماد على مصنوعات الدول الأجنبية ، ولا أستطيع سوى أن أدعو لها ولبناتها : ( ا
للهم يا من وسعت رحمته كل شيء ، وجزئّـتها إلى مائة جزء ، فجزء منه نتراحم في الدنيا ، ارحم هؤلاء البنات في قبورهم ، اللهم إنهم قد ذاقوا عذاب النار في الدنيا ، فحرمها عليهم في الآخرة ونعمهم برضوانك والجنة في قبورهم وأخراهم ، اللهم أرحم أمهم وصبرها على مصابها ، وأخلفها خيرا منهن ،وزد في قلبها الإيمان ، إنك أنت العزيز الرحيم ... يالله)